ميدان الشهداء بطرابلس يُعَبِّر كثير من الليبيين عن امتعاضهم
من
تعثر المرحلة الانتقالية، ومن هشاشة الوضع الأمني، لكن ذلك لا
يدفعهم إلى الحنين لعهد ما قبل الثورة التي يقولون إنها حققت لهم
مكاسب في مقدمتها حرية طالما حلموا بها. وبعد أكثر من سنتين
من سقوط نظام العقيد الراحل معمر القذافي، ومع اقتراب
الذكرى
الثالثة لاندلاع ثورة 17 فبراير/شباط، يتقاسم الليبيون الذين
ناصروا الثورة ومن وقفوا في صف النظام السابق شعوراً
ممزوجاً بالمرارة من عدم قدرة المؤسسات الجديدة على تحقيق
أكثر المطالب إلحاحاً، وعلى رأسها الأمن والرخاء الاقتصادي.
وفي شوارع طرابلس، تظهر بوضوح مظاهر الاحتفاء بالثورة
من
خلال رفع أعلام ليبيا الجديدة، والشعارات والرسوم على
الجدران، وصور الشهداء، بالإضافة إلى حملات الدعاية التي
بدأت حديثاً لانتخاب أعضاء لجنة الستين المكلفة بصياغة
الدستور
الجديد الذي يأمل كثيرون أن يكون مدخلاً لبناء الدولة الجديدة.
وفي المقابل، يتحسر البعض في مجالس وأحاديث خاصة على
العهد السابق، ويقولون إن نظام القذافي كان عنواناً للأمن
والاستقرار، في حين أن مؤيدي الثورة يقولون إنه بدد ثروات
البلاد على أتباعه في الداخل والخارج، وكتم كل صوت. وفي
الشارع المؤيد للثورة، يُنعَت من يمجدون نظام القذافي
بـ"الأزلام"، ويُتهمون بالتسبب في بعض الأزمات على غرار
أزمة البنزين الأخيرة في طرابلس، وببث شائعات بهدف زعزعة
الأمن. كما تُتهم بعض وسائل الإعلام المحلية بمعاداة الثورة
خدمة
لأجندات مرتبطة بالنظام السابق، وتوجد قناة تلفزيونية واحدة
على
الأقل تبث من خارج ليبيا صوراً للقذافي ولتجمعات مؤيدة كانت
تُعقد في الأيام الأخيرة من حكمه في "الساحة الخضراء" (ميدان
الشهداء حالياً) بالعاصمة الليبية. ورغم الشعور السائد لدى جزء
مهم من الليبيين بعدم الرضا عن الوضع الراهن، فإن ذلك لا
يمنعهم من التفاؤل بمستقبل البلاد المقبلة على انتخاب الجمعية
التأسيسية التي ستكتب الدستور، ثم على انتخابات من شأنها أن
تنقل ليبيا إلى نظام سياسي مستقر.
أحمد عيسى متفائل بخروج ليبيا من الوضع الراهن فرج قريب
ويقول سعيد (مدرس) إن ليبيا كانت عبارة عن "سجن مفتوح"،
وإن الليبيين حققوا من الثورة مكاسب كبيرة أهمها الحرية ووضع
أسس دولة ديمقراطية، ويتعين عليهم الصبر حتى يكتمل بناؤها.
ويضيف أن من يحنون إلى النظام السابق حجتهم ضعيفة، وكذلك
إيمانهم بالثورة ضعيف، معتبراً أن الدولة في عهد العقيد الراحل
كانت "كرتونية" لأنها لم تكن قائمة على ركائز صلبة. وبالنسبة
إلى سعيد، فإن بناء الدولة الجديدة يتطلب بعض الوقت إذ لا يمكن
تعويض ما تسببت به الحرب في وقت وجيز، ويضرب مثالاً
على
ذلك بالثورة الفرنسية التي لم تثمر مؤسسات مستقرة إلا بعد فترة
طويلة من الزمن. ويبدي أحمد عيسى (عاطل عن العمل) من
مدينة البيضاء شرق البلاد رأياً مماثلاً تقريباً، إذ يقول إن
الديمقراطية في ليبيا لا تزال ناشئة وأمامها وقت كي تنضج.
ويضيف عيسى -الذي يؤكد أنه شارك في المواجهات المسلحة
بعدة جبهات شرق البلاد خلال الثورة- أن الوضع الأمني كان
بالتأكيد أفضل في عهد القذافي، لكنه يرى أن الأمور ستستتب
ببناء جيش وشرطة على أسس قوية. ورغم أن حالة الانفلات التي
أعقبت الثورة أفقدته وظيفته، حيث كان مترجماً في شركة تركية
بمرتب جيد، فإن ذلك لا يحمله على الحنين إلى عهد مضى.
وتعمل الحكومة الليبية على تنفيذ خطط لتعزيز الأمن في
طرابلس
وبنغازي ومدن أخرى، وتطوير الجيش والأجهزة الأمنية، الأمر
الذي يدفع جزءا من الليبيين إلى الاعتقاد بأن البلاد ربما باتت
على
مشارف الخروج من حالة عدم الاستقرار، خاصة مع اقتراب
نهاية المرحلة الانتقالية
0 التعليقات:
إرسال تعليق